على عكس ما قد يظنه الكثيرون فإن الحضارة المصرية الفرعونية كانت ذات تأثير على الفن التشكيلي الأوربي قبل حملة بونابرت، فلقد كان للحملة الفرنسية دور كبير في إزاحة الستار عن وجه مصر الفرعونية أمام الفنانين التشكيلين الفرنسيين. ويتردد كذلك أن استلهام الحركة الفنية التشكيلية من التراث الفرعوني كان بسبب هذه الحملة.
ولا شك في عظمة الفن المصري وشموخه، فقد سبق فنون اليونان والرومان، وكان يرى في التراث القديم مثالا للفضيلة ودليلا على الروعة، كانت الأثار المصرية تقدم أعظم ما يثبت جمال الحضارات القديمة. وهنا يأتي السؤال عن مدى تأثير الحملة الفرنسية على مصر فيما يتعلق بالجانب الإبداعي للفن الأوربي؟ فبجانب القول بأن الحملة الفرنسية كان لها من السلبيات ما يكفي لإماطة اللثام عن كنوز مصر الفرعونية والاستيلاء عليها المورخين، فقد سمحت لهذا الفن بأن يتعرف بصورة أكثر دقة على الأثار الفرعونية، وأسهمت هذه الحملة كذلك في تحويل الصورة شبه الخيالية عن هذه الحضارة الفرعونية إلى صورة أكثر قربا من الحقيقة.
ومن المعلوم أن بونابرت قد ألحق ضمن جيشه عددا من العلماء والرسامين والمصورين والمعماريين والفنانين. وقد شكل هؤلاء ما يعرف باسم البعثة العلمية. وكانت الثمرة التي خرج بها هؤلاء هي كتاب وصف مصر، ويحتفظ قسم المنقوشات الملحق بمتحف اللوفر بعدد يصل إلى ثمانمائة نقش على النحاس لهذا الكتاب.
وأخيرا، لعب الاستشراق (الانفتاح على ثقافة الشرق) دورا كبيرا في فتح أعين الفنانين في الغرب على جوانب مختلفة في حضارات الشرق القديم. ولقد قام العديد منهم بزيارة الشرق واليونان وتركيا واسيا الوسطى وقاموا برسم صور قريبة من الطبيعة الحقيقية لسيدات شرقيات ومعالم من الطبيعة الشرقية. وبالتالي، فقد ساهمت العديد من الثقافات الشرقية وعلى رأسها مصر، في تغيير التصور الفني لدى الرسامين التشكيليين ونقلت مفهوم الشرق لديهم، ليصبح أكثر جمالا وإيحاء من مجرد شرق زخرفي ومسل.
نورة العداوي